أهمية العمل التطوعي في الإسلام

عدنان بن عبد الله القطان

3 صفر 1443 هـ – 10 سبتمبر 2021 م

———————————————————————

الحمد لله أوجد الكائنات فأبدعها صُنعاً، وأحكمها خلقاً، وهدى عباده النجدين، فأسعد فريقاً وفريقاً أشقى، نحمده سبحانه ونشكره، ونثنى عليه بما هو أهله، لم يزل للشكر مستحقاً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعبداً ورقاً، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، هو الأخشى لربه والأتقى، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه المقدّمين فضلاً وسبقاً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، ومن نصر دين الله حقاً، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

معاشر المسلمين: لقد جاء دين الإسلام داعياً إلى كل فضيلة، فما من خير إلا وأمر به ورغب فيه، وما من شر أو ضر إلا ونهى عنه، ومن اجل ما دعا إليه الإسلام ورغب فيه: العمل التطوعي والخيري؛ فالتطوع عمل إسلامي ووطني وإنساني، يتضمن بذل الخير على اختلاف صنوفه، فخير الناس أنفعهم للناس كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. العمل التطوعي: ينمِّي روحَ التعاوُنِ والعمل الجماعيّ والمشاعِر الإيجابيّة المشترَكة، ويجعل المجتمَعَ أكثَرَ تماسكاً بل أكثرَ اطمئناناً وثِقَة بأبنائِه، ويُكسِب مَهاراتٍ وخبرات، ويزيد في كشفِ المواهب والقدرات.. إنه مبدأٌ ومسلك يعزِّز التكافلَ الاجتماعي ويوظِّف الطاقاتِ البشريّة، ويُسهم إسهاماً حقيقيّاً في البناء والتنمية الاقتصاديّة والبشريّة والاجتماعيّة، فضلاً عن آثارِه الدينيّة والتربويّة والنفسيّة العميقة، بل إنه يُسهم إسهاماً عظيماً في الحِفاظ على الأمنِ الداخليّ والحدّ من الجريمة والفَقر والفسادِ الأخلاقيّ، بل إنّه مقياسٌ للتقدّم والرقيّ الفكريّ والإداريّ والعمليّ، تتبارى الأمَم والدول في تأسيسِه ورعايَتِه وإفساحِ المجال له ودَعم نشاطِه… بالعمل التطوعيّ حين يكون خالصاً لله عز وجل فإنَّ النفسَ، تزكو والهمّة تعلو… العملُ التطوعيّ سدُّ حاجات، وتخفيفُ معاناة، ومشاركةُ همومٍ، ليس مقصوراً على الأحداث والنوازل والكوارث والطوارِئ، بل يتعدَّد ويتجدَّد حسبَ الحاجات والمستجدّات والمتغيّرات.. العملُ التطوعيّ والفعل الخيريّ يهذِّب النفسَ، ويقي من الشحّ، ويغرس الحبّ في نفسِ المتطوّع، وينزِع عنه النظرةَ السلبيّة، وتقوَى عنده الآمالُ، ويتجنَّب اليأسَ والإحباطَ، ويحدّ من النزعةِ المادّية، وتمتلِئ فيه النّفسُ بالرضَا وحُسن الاتصال بالله جلّ وعلا.. العمل التطوعيّ: في ظلِّ القطاع الخيريّ نظامٌ شاملٌ، يعبِّر عن مسؤوليّة كلّ فردٍ في المجتمَع تجاهَ إخوانه في مختَلف مناشِط الحياة،ومجالاتها المادّية والمعنويّة والنفسيّة، إنه صورةٌ من صور التعاطُف البشريّ والتكامل الإنسانيّ.

العملُ التطوعيّ الرسمي المنظَّم المنضبط بقوانين البلاد، يسهِم في نشرِ الأمنِ الاجتماعيّ، بل إنه يمتدّ ليُوظَّف لنشرِ الأمنِ الفكريّ وتوحيد الأمّة في أطيافها. ذلكم أنّ الانخراطَ في العمل التطوعيّ يبعَث في النفس الرضا والانتِماء، ويُسهم في تجاوُز كَثيرٍ من أمراض العصر منَ الاكتِئاب، والشعورِ بالعُزلة والضّغوطِ الاجتماعيّة والنفسيّة. وليسَ من المبالغَة القولُ بأنّ القطاعَ الخيريّ قادرٌ بإذن الله على إنهاءِ الأزَمات السّاخنة والبَاردة، بل إنّ القطاع الخيريَّ يقوِّي نفوذَ الدولة، ويحافِظ على حقِّ السيادة والقوة، ويعزِّز الأسُس التي تقوم عليها، ويحافظ على هويَّتها واستقرارِها السياسيّ؛ لما يوفِّره من شراكةٍ مجتمعية وشعبيّة حقيقيّة، بل إنّه من أقوى وسائلِ الإصلاح، وهو يقِي الدُّوَل الضغوطَ السياسيّة الخارجيّة، كما أنه ينظِّم جمعَ الموارِد وصرفها من مِنَح وتبرّعات،وأوقاف، وصدقاتٍ وغيرها.

إنَّ القطاعَ الخيريَّ والعمل التطوعيَّ هو المكمِّل للتنميةِ الشاملة، وخِدمَاتُه قوّةٌ للدّوَل والحكومات.. القطاعُ الخيريّ غيرُ الربحيّ يحقِّق التوازنَ بين القطاع الحكوميّ والقطاع الخاصّ التجاريّ، ويسدِّد نقصَ الخدمات، ويكبَح جماحَ طمعِ الطامعين، وجَشَع الجشعين، ويدعَم ولاءَ الأفراد للمجتَمع والانتماءَ لأوطانهم ودولهم.

أيها الإخوةُ والأخوات في الله : ولو تساءَل متسائل: لماذا يكون للعمَل التطوعيّ هذا الأثر الكبير؟ ولماذا بلَغ هذه الأهمّيّة؟فسوف يأتي الجواب: لأنّ ميادينَه واسعَة، ولا تقَعُ تحتَ حصر، إنه يجسِّد الخيرَ بمفهومِه الواسع ومعناه الكبير، والخيرُ سبيلُ الفلاح، يقول تعالى: (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ناهيكم ـ حفِظكم الله ـ أنَّ سعتَه في دينِنا تنتَظِم النوافلَ وفروضَ الكفايات، فالمسلم الصالح المحسِن يتقلَّب في أنواعٍ من التطوّعات ووجوهِ الخير وأبوابِه ممّا لا يقَع تحتَ حَصر مما نفعُه قاصرٌ ونفعُه متعَدّ… التطوّع بذلٌ من كلّ الوجوه: بذلٌ في المال، وبذل في الجُهد، وبذلٌ في الرأي، وبذلٌ في الفكر، وبذلٌ في العاطفة، وبذل في الحياة ووجوهها كافّة، (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

العملُ الخيريّ يستوعِب كلَّ جوانب التطوّع والأعمال الشعبيّة والمجتمعية والخيريّة والأهلية؛ من التعليم والتدريب وإيجادِ فُرَص العمَل ومُعالجةِ الفَقر وبِناءِ المدارِس ورياض الأطفال، والمسَاجِد والمستَشفيات والمساكِن وطباعةِ الكُتب ونشرِها وترجمتها ومساعدةِ المحتاجين في المأكل والمشرَب والملبَس والغذاء والدواء وخِدماتِ ذوي الاحتياجاتِ الخاصّة وحماية المرافقِ العامة والممتلَكات والإسهامِ في نظافتِها وصيانتها والحفاظِ على الثروات الطبيعية ومناهَضَة الحروب ودعمِ قِيَم الحرية الحقيقيّة وحماية المستهلك والإسعافات وهدايةِ الضالّ: ضالِّ الحقّ وضالّ الطريق، ناهيكم بالأمورِ الطارئة من الكوارِث والحوادِث والزلازِل والعواصف والسيولِ وتقلّبات الصيفِ والشتاء، ثم ناهيكم بمفهوم الحِسبة والاحتساب، هذا المصطَلَح الجميل العجيب الفرِيد الذي يبعَث في نفوسِ أهلِ الإسلام المبادراتِ الفرديّةَ والجماعيّة؛ لإيجاد آلياتٍ ووَسائل ونُظُمٍ محدَثةٍ تناسِب الواقعَ والمستجداتِ والمتغيرات، في تعدُّدٍ وشمول منقَطِع النظير، نشاطٌ ومناشط  تحفَظ الثوابتَ، وتُبقي على مكانةِ القِيَم، وتعالج أسبابَ الخلَل في المجتمع والدّولة والأفراد.

أيها المؤمنون: عملُ الخيرِ والتطوّع في دينِنا أظهرُ مِن أن تُحشَدَ الأدلة من أجلِ إثباتِه والتدليلِ عليه، ويكفي أن يلحَظ الملاحظ أنّ حضارتَنا الإسلامية التي أشادَها دينُنا قامت بسواعِد جمهور المسلمين: (العمل المجتمعي الشعبيّ) بلغة العصر، حضارة باعثُها وبانِيها الإيمانُ والبرّ والتقوى وابتغاءُ رضوان الله وفضلِه ونفعِ الناس. ومع هذا فتأمَّلوا هذه العقودَ الدريّة من آياتِ الذكر الحكيم، ومِن مشكاة النبوّة المحمدية في سعةِ هذا العمل وفضلِه والحثِّ عليه والمنافسَة فيه:يقول عزّ شأنه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)، ويقول تعالى: (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ويقول سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ويقول سبحانه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ) ويقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ويقول عزّ شأنه: (وَمَا تُقَدِمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ) ويقول(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً) ويقول: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ومن مشكاة النبوّة: يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَشَى في حَاجَةِ أَخِيْه، وبَلَغَ فِيْها، كانَ خَيْراً له مِنْ اعتِكَافِ عَشَرِ سِنِيْنَ)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من نفَّسَ عن مؤمِنٍ كُرْبَةً من كُرَبِ الدنيا نَفَّسَ اللهُ عنهُ كربةً من كُرَبِ يومِ القيامة، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ يسَّرَ اللهُ عليهِ في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مُسلِماً سترهُ اللهُ في الدنيا والآخرة، واللهُ في عوْنِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عوْنِ أخيهِ)، ويقول  (السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ). ويقول (أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني السَّبَّابةَ والوسطى) (كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها، أوْ تَرْفَعُ له عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ والْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدَقة، وكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ). ورأى النبيُّ رَجلاً يتقلَّب في الجنّة في شجرةٍ قطَعها من ظَهر الطريق كانت تؤذِي المسلمين، كلّ هذه أحاديثُ صحيحة عن نبينا صلى الله عليه وسلم تبين لنا فضل العمل التطوعي والخيري.

أيّها المسلمون: الغفلةُ عن الأهمّية العظيمة للعمل التطوعيّ والعمل الخيريّ ينتِج آثاراً سلبيةً عظيمة، ليس في نقصِ الحاجاتِ الأساسيّة للمحتاجين من غِذاءٍ ودواءٍ وتعليمٍ وإيواءٍ وعَيشٍ كريمٍ فقَط، بل حرمانٌ للنّاس ولا سيما الشباب القادِرون من إشباعِ رغباتهم وتطلُّعهم للمثُلِ العليا والبَذل والجدّ والنفع والإيجابيّة الحقّة والتطوع في عمل الخير، الأسَى والمأسَاة أن ترَى فِتياناً وفتياتٍ في صُورٍ مؤلمةٍ محزِنةٍ مخزِيةٍ موجِعةٍ في الشوارِع والسّاحات والأسواقِ والمجمعات والبيوت، يُمضون الفراغَ، ويقتلون الأوقات، وينحَرون الأيام والساعات، ويعيشون حياةً هامِشيّةً رَخوةً هشة، لا يحمِلون هموماً، ولا يتطلَّعون إلى مستقبل، ولا يشعُرون بمسؤولية، وهذا مؤشِّرٌ خطيرٌ يقودُ إلى انزِلاقاتٍ مسلكيّة وانحرافاتٍ فكرية.. وفي ختام هذا الموضوعِ العظيم، فإنّ ما يقِف أمامَ العمل التطوعي والخيري مِن معوِّقاتٍ هو هذه الهجمَة الشّرسة الظالمة التي يواجِهها بأفرادِه ومؤسَّساته وهيئاتِه وجمعيّاته، وتجفيفِ منابِعه والتضيِيق عليه، وتجميدِ أرصِدته من أعداء خارج الأمة أو بسبب تشكيك وتحريض من بني جلدتنا، بدافع محاربة التطرف والإرهاب ، يَزيد مِن ذلك نقصُ الثقافةِ في أهميّة هذا العمل المجيد، والضّعف في الدّعم، والنّقص في التأهيل، وضَعف التعاوُن بين المؤسَّسات والجمعيات والهيئات الخيرية، وفي كل ذلك يجِب الوقوفُ الحازِم أمامَ حملات التّشويه والتحريض التي تستهدِف هذا العملَ المبرور لمصلحَة المسلمين عاملين ومعمول من أجلهم، يجب الوقوف والوَقف أمامَ سلطان التّضليل، وتشويه الحقائق، يجب التوضيح والبيان حتى لا تسودَ الأوهام وتتداخَل المصطلحاتُ، وتلتبِس المفاهيم؛ مما يحتِّم على طلاّب الحقّ ودُعاته والسّاسَة والمفكرين والكتّاب والمثقّفين إيضاحُ الحقيقة والتصدّي لهذا اللَّبْس ونصرة الحق وأهله ونصرة الفقراء والمساكين والأيتام والمستضعفين والمحتاجين.. فإنّ أيَّ جهد يُبذل للنفع العامّ مع الإخلاص هو في سبيل الله عز وجل، وفي المقابلِ فإنّ الوقوفَ ضدَّ ذلك هو من الصدِّ عن سبيل الله تبارك وتعالى. اللهم أَرِنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلنا يا ربنا ممن قلت فيهم، ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: لقد انتشرت في بلادنا ولله الحمد والمنة المؤسسات التطوعية والخيرية والإنسانية والجمعيات الخيرية الرسمية، وانطلقت بمنهج خاص يستمد نهجه وسيره من تعاليم الإسلام. وعلينا نحن المسلمين، على مستوى القيادة والشعب، أمانة عظمى، ومسؤولية كبرى في دعم هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية ومساندتها، فهي تقوم بواجب عظيم نحو الفقراء والمحتاجين ومن في حكمهم، فإذا فعلنا ذلك لقيت الانتشار الواسع والعطاء الممتد…إن واجبنا أن نتعاون جميعاً في الدعم والمساعدة لقضاء حوائج الناس، وإدخال السرور على نفوسهم، وكشف كربهم، جزى الله العاملين والمتطوعين في العمل الخيري خير الجزاء، وبارك في جهودهم وعملهم وصحتهم إنه سميع الدعاء.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن باب التحدث بالنعم علينا في هذه البلاد،  يأتي في مقدمة المؤسسات والجمعيات التطوعية والخيرية، المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية، التي أنشأها وأسسها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد حفظه الله ورعاه، وولى على رئاسة مجلس أمنائها نجله سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة حفظه الله ورعاه، والتي عملت منذ نشأتها على تقديم الرعاية الشاملة للفئات المستهدفة، والارتقاء بالمواطن البحريني والاهتمام بشؤونه من النواحي المادية والنفسية والاجتماعية. وتتولى المؤسسة القيام بأعمال الخير والبر والإحسان والنهوض بدور إنساني واجتماعي واقتصادي يعود بالنفع على المواطنين، كما تتولى القيام بكفالة الأرامل والأيتام ورعاية المسنين وذوى الاحتياجات الخاصة وتقديم المساعدات الاجتماعية والصحية والتعليمية والمساهمة في تخفيف الأعباء المعيشية عن الأسر المحتاجة والمساهمة في إنشاء وتنمية المشاريع الاجتماعية والخيرية غير الربحية كدور الأيتام ورعاية الطفولة والمعاقين ومراكز المسنين ورياض الأطفال وتأهيل الأسر المحتاجة ومراكز التأهيل الصحي والمساهمة في أعمال التنمية المستدامة كدعم برنامج إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتخصيص الأراضي للمشاريع الاجتماعية والخيرية والتنسيق مع الأجهزة الحكومية المكلفة بتنفيذ برامج ومشاريع في هذا المجال و أية أعمال خيرية أخرى يأمر بها جلالة الملك الرئيس الفخري للمؤسسة أو يقرها مجلس الأمناء.. كما تقوم المؤسسة بتقديم مساعدات إنسانية إغاثية ودوائية وغذائية عاجلة إلى الدول المنكوبة ‏بتوجيهات ملكية سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه وبدعم من الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير ‏سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله،  وإشراف من المؤسسة الملكية ‏للأعمال الإنسانية برئاسة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك ‏للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، وذلك في إطار حرص المملكة الدائم على مد يد العون ‏والمساعدة للأشقاء والأصدقاء وإغاثة المنكوبين، إيماناً بالكرامة الإنسانية المتأصلة لجميع ‏البشر، واعترافًاً بقيمة الخير والعطاء في ترسيخ السلام وتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل ‏بين جميع الشعوب والحضارات.‏

يقول تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) نسأل الله تعالى أن يتقبل هذا العمل الجليل من جلالة الملك حمد بن عيسى وأن يرزقه مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما ندعو الله أن يوفق جلالته إلى كل خير لشعبه الوفي وأن يطيل في عمره، وأن يبارك فيه وفي أولاده ويرزقه الصحة والعافية. وأن يوفق ولي عهده لما فيه خير هذا الوطن العزيز وشعبه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اختم لنا بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان، اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وسدد على طريق الخير خطاهم وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين المضطهدين في كل مكان،كن لهم ناصراً ومؤيداً، اللهم فرج همهم ونفس كربهم وآمن روعهم وأصلح أحوالهم وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو عليهم سبيلا، اللهم أحفظ المسجد الأقصى وأهل فلسطين ورده إلى حوزة المسلمين، واجعله شامخاً عزيزا إلى يوم الدين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

     خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين